آخر تحديث :السبت-26 أبريل 2025-12:52م

عندما تموت الأشجار

الخميس - 17 أبريل 2025 - الساعة 04:11 م

ليان صالح
بقلم: ليان صالح
- ارشيف الكاتب

هل جرَّب أحدكم ذلك الإحساس الصعب الذي يفاجئنا وقت سقوط شجرة عملاقة كانت تظلنا بظلها الغامر، لحظات يختلط فيها الشعور بالألم والأسى والخوف ويغلف هذه المشاعر الشعور بالحزن، فسقوط الشجرة أمام عينيك يجسد هذا الإحساس ويجعله بثاً حياً مباشراً لأحوال الدنيا العجيبة.

إنه الموت.. حقيقةٌ مؤكدة قريبة من أبصارنا نشاهدها كل يوم بل كل ساعة أو نسمع عنها هناك أو هناك، مثل أوراق الشجر ونحن في دنيانا نلهو ونلعب، وأحيانا نبكي ليس على من ذهبوا لأحضان الموت، ولكن على أحوالنا في الدنيا.

وعندما تسقط شجرة من أشجار كثيرة حولنا كان ظلها يضمنا نتحسس برفق قوة الموت وقسوته نذوق مرارته ونخطو نحوه نمد أيدينا له نريده أن يأخذنا مع أحبائنا، ولكنه متكبر عنيد لا يأخذ من يتمناه، بل يمر على أوراق الشجر وجذوره في مواعيد حدّدها له الخالق دون زيادة أو نقصان.

كل منا سوف يشرب من كأس الموت المر ولكن من منا يعد عدته ويملأ الحقيبة حتى يكون على أتم استعداد للسفر إلى عالم آخر، تظل الحقيبة خالية إلا أن يخطف الموت منا عزيزا لدينا غالياً على قلوبنا، فنبدأ في التفكير.. وهذا هو حالي بعد موت أبي أكبر ظل وسند.

أبي عمري كله، كنت أشعر بالأمان لمجرد وجوده، أخشى لحظة فراقه وأراها بعيدة كنت أفرح عندما أرى عجوزاً تجاوز الثمانين من عمره وأحدّث نفسي بأن هناك من يعيشون لعمر طويل عسى أن يكون أبي منهم، ولكن ماحدث كان على خلاف ما تمنيت طول عمري، سبقت يد الموت أحلامي له بالبقاء وجاءت لحظة القدر القاسية لتهدم كل أفراحي وآمالي في الدنيا ولم أرَ في لحظة موته سوى سقوط شجرة كبيرة فجأة كانت تسد جذورها القوية كل المخاطر عني.

من لي اليوم بعده.. أشعر بالبرودة ونحن في أوج الصيف وكأنه يبعث في نفسي الأمان المطلق، مَن لي بعده وقد اختل توازني وضاقت حيلتي وأشعر أنني طفلة تتعلم السير في طرق مملوءة بالحصى والحجارة، مَن لي بعده وهو عمري كله، صديقي وأخي وأبي وسندي وظلي وصورتي وهوائي الذي أتنفسه.

مرت سنوات قليلة أشعر أنها زمن طويل بحسابات الناس، ومَن لي بعده إلا كلامه الذي أسمعه في كل وقت وذكراه الساكنة في قلبي.

وكم من أشجار تسقط ونحن في غيبة عن حكمة الموت وحكمة الحياة، كم من أشجار تسقط ونحن لا نرى إلا مصالحنا وآمالنا وكأن الموت شبح من عينة ( أمنا الغولة) ليس له وجود، ولا نفيق من هذه الغيبوبة إلا بعد أن تسقط إحدى أشجارنا القريبة ونفقد ظلها الدافئ ونشعر بالاختناق في جو ليس فيه رائحة من نحب، وكم من أشجار تسقط ونحن نتمنى أن تكون بعيدة عمن نحب، ولكن الأمنيات في اللامعقول ليس لها وجود.

كم أنت قريب أيها الموت تمد يديك فتخطف من نحب وترفض أن تمدها لنلحق بهم.

مات أبي.. وانتهت الفرحة في قلبي حتى أراه وألحق به قد يمد الله في عمري لسنوات طويلة بعده ولكن كُسر قلبي وزاد همي وغلف حياتي حزنٌ لا ينتهي بعد أن زار الموت بيتنا.