آخر تحديث :الأربعاء-26 مارس 2025-02:07م

جمهورية “أنصار الله”.. فرص البقاء

الثلاثاء - 25 مارس 2025 - الساعة 11:18 م

أحمد عبداللاه
بقلم: أحمد عبداللاه
- ارشيف الكاتب


تتطلّع الشرعية إلى قدوم “المخلّص المنتظر”، في ظل تراجع دورها السياسي وتفاقم فشلها في إدارة المناطق المحررة. ومع الكثير من (اللاشيء) في خطابها، تترقّب هذه المرة الدور الأمريكي، خاصة بعد تصنيف “أنصار الله” “منظمة إرهابية أجنبية” وتدشين هجمات جوية على أهداف متعددة. ويحدوها الأمل بأن يتطور الموقف إلى إسناد مباشر لـ”قوات الشرعية” وتشكيل تحالفات إقليمية لإسقاط الجماعة. لكنها أمنية لا تسندها معطيات الواقع.

الولايات المتحدة، وفقاً لما هو معلن، تسعى إلى منع “أنصار الله” من تهديد خطوط التجارة البحرية، لكنها – انسجاماً مع نهج إدارة ترامب – لا تنخرط في معارك طويلة ومباشرة لإسقاط السلطة القائمة في صنعاء. في الوقت ذاته، فإن التحالف العربي، على خلفية الموقف السعودي، لا يعتزم التورط مجدداً في حرب إسناد مهما كان حجمها.
وبعبارة أوضح، فإن خيار تدمير “أنصار الله” وإخراجهم الكامل من المشهد، وتفكيك قدراتهم العسكرية، ليس مطروحاً، نظراً لكلفته الإنسانية والاقتصادية الباهظة، وغياب أي ضمان لتحقيق تلك الأهداف كاملة، وانعدام الرؤية لما سيؤول إليه “اليوم التالي” في صنعاء.

من جهتها، تتعامل جماعة الحوثي مع التداعيات الإقليمية لحرب غزة وتحديات تفكيك “محور المقاومة” وكأن شيئاً لم يتغير، متمسكة بمنطق الاستمرارية. لكنها في العمق تتحرك بقلق ظاهر، وهي تسعى لعبور هذه المرحلة المفصلية بحذر شديد، ترقّباً لما ستؤول إليه تطورات الملف النووي الإيراني، سواء عبر التفاهمات والاحتواء أو التحييد. كما تتابع عن كثب مستقبل الدعم الإيراني لحلفائها في المنطقة. وفي هذا السياق، تُواصل سلطة “أنصار الله” تعزيز حضورها العسكري في البحر، تنفيذاً لتهديداتها في حال انهار اتفاق غزة، كما تُبقي على مستوى محسوب من التصعيد الميداني في عدد من الجبهات مع “المناطق المحررة”، في إطار استراتيجية ضغط مزدوج.

هذا التمركز السياسي والعسكري، الذي أخذ ملامحه الكاملة خلال حرب غزة، أسقط نهائياً أوهام دمج الحوثيين في “منظومة وطنية تعددية”. فمشروع السلام، الذي سبق تلك الحرب، لم يكن تعبيراً عن نضج داخلي، بل جاء نتيجة محاولات سعودية لإعادة التموضع وتخفيف الكُلَف الاستراتيجية. غير أن مجريات الأحداث كشفت أن جماعة “أنصار الله” لا تقدم نفسها كطرف يمني ضمن معادلة سياسية داخلية، بل كفاعل إقليمي ينتمي إلى محور يتجاوز الجغرافيا، ويُعيد صياغة الولاءات والانتماءات. وهو ما يجعل أي تسوية محتملة رهناً بتحولات إقليمية أكبر، ويُرغم المملكة، ومعها المجتمع الدولي، على إعادة النظر في مقاربتها التقليدية للسلام، لصالح صيغ أكثر واقعية وأقل مثالية.

وبعبارة أدق، إذا تمكّنت سلطة صنعاء من عبور مرحلة التصعيد والتصنيف والضربات الجوية — وهو سيناريو قابل للتحقق — فمن المرجّح أن تواصل ترسيخ نفوذها وتكريس نموذج “الجمهورية الإسلامية” المستوحى من التجربة الإيرانية، ضمن حدود ما قبل 22 مايو، دون أن تواجه رفضاً دولياً يُذكر. ويُعزى ذلك، إلى حدّ بعيد، إلى غياب بديل فعّال في معسكر “الشرعية الشمالية”، الذي بات يعاني من تفتتٍ داخلي، وانعدام القاعدة الشعبية، فضلاً عن تلاشي حضوره الميداني في الشمال، باستثناء (آخر الثغور) في مأرب وتعز.

ومهما كانت المسارات والنتائج، يبقى الجنوب، بعيداً عن طموح الحوثيين (أو أي قوى داخلية أخري) وذلك لما يتمتع به من بنية دفاعية صلبة، وحاضنة شعبية مساندة. لأن أي مغامرة لجماعة الحوثي ستكون مكلفة، و تُفضي إلى مأزق استراتيجي قد تعجّل بتهشّم بنيتهم من الداخل، بل وتقويض هيمنتهم على الشمال ذاته وما حققوه من مكاسب.

وحين تترسخ معطيات بقاء “أنصار الله” وتستقر هيمنتهم شمالاً ستجد القوى الإقليمية والدولية نفسها أمام ضرورة غير قابلة للتجاوز: الإقرار بحق الجنوبيين في تأسيس دولتهم المستقلة، بوصفه استحقاقاً موضوعياً أملته ديناميات التاريخ وحقائق الجغرافيا السياسية، لا مجرد استجابة اضطرارية لظرف طارئ. وذلك في ضوء التراجع الواضح لفعالية المبادرات الخارجية، التي أخفقت – ولا تزال – في إدراك تعقيدات الواقع.

لكن، هل تسير الأمور بهذا النسق دون تحولات؟ الواقع أكثر تعقيداً، والأحداث لا تمضي في خطوط مستقيمة. قد تُبطئ الظروف المحلية والإقليمية من وتيرة الوصول، لكنها لا تبدّل الإتجاه. فالمآلات التي تُولد من عمق الضرورة لا تلغيها التأخيرات، بل تؤكدها. وما يُبنى على أرض الواقع، لا على ورق الخرائط المستوردة هو وحده القادر على الصمود.