الفن والأدب

الخميس - 18 أكتوبر 2018 - الساعة 07:38 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ متابعات

صدر عن دار الساقي في بيروت كتاب “ذاكرة القراءة” للكاتب الموسوعي والروائي الأرجنتيني ألبرتو مانغويل، الذي يعد أحد أبرز الباحثين في مجال التأريخ للكتب والمكتبات وموضوع القراءة بشكل عام، فقد صدر له من قبل عن الدار ذاتها كتب: “تاريخ القراءة”، و”يوميات القراءة”، و”المكتبة في الليل”.

كتاب مانغويل الجديد “ذاكرة القراءة” (192 صفحة)، الذي ترجمه إلى العربية الشاعر والمترجم السوري جولان حاجي، يواصل الكشف عن شغف هذا الكاتب بالتبحر في تاريخ القراءة والكتب، فهو يؤمن بتصور لمواطنه الروائي الأرجنتيني بورخيس يفيد أن الفردوس لا يمكن أن يكون إلا على شكل مكتبة ضخمة.

يمزج مانغويل في كتابه الجديد بين القالب القصصي الممتع والمحتوى العلمي الرصين الموثّق بالأرقام والتواريخ والوقائع، سعيًا للكشف عن سر هذا الشغف بصفحات الكتب، والهوس بتجميعها وترتيبها ضمن رفوف على مدى سنوات وسنوات.

يقول مانغويل في كتاب سابق له: “كانت المكتبات، تبدو لي دائمًا أمكنة مجنونة على نحو ممتع، وبقدر ما تسعفني الذاكرة كنت مفتونًا بمنطقها الشائك، الذي يفيد بأن العقل، (إن لم يكن الفن)، يحكم الترتيب المتنافر للكتب”.

ويروي صاحب “تاريخ القراءة” متعة المغامرة حين يجد نفسه وسط أكداس الكتب، “مؤمنًا بشكل خرافي بأن الهرمية الراسخة للحروف والأرقام ستقودني ذات يوم لغاية موعودة… في ظل هذا الوهم المتناغم، قضيت نصف قرن بجمع الكتب، وبكرم لا حدّ له، قدّمت لي كتبي كل أنواع الإشراقات، دون أن تسأل شيئًا بالمقابل”.

ويتحدث الكاتب في “ذاكرة القراءة” عن مكتباته الشخصية التي أسسها منذ الطفولة وحتى لحظة كتابة هذا المؤلف، محاولًا التوقف عند محطات عدة خسر خلالها مكتبة قديمة، ليعمل على إنشاء واحدة جديدة.

ومن الواضح أن هذا الكتاب الجديد جاء تبعًا لهاجس خسارة مكتبة قديمة والتهيؤ لواحدة جديدة، إذ نقرأ توضيحًا للناشر على الغلاف الأخير: في حزيران/يونيو 2015، تهيّأ مانغويل لمغادرة منزله الريفي القديم في وادي اللوار في فرنسا ليستقرّ في شقة صغيرة في مانهاتن، أثناء نقْل مكتبته الشخصية الضخمة، واختياره الكتب التي سيستبقيها أو يخزّنها أو يستبعدها، وجد مانغويل نفسه في حلم يقظة عميق حول طبيعة العلاقات بين الكتب والقرّاء، والكتب وجامعيها، والنظام والفوضى، والذاكرة والقراءة”، فخرج من هذا العصف الذهني بمؤلفه الجديد “ذاكرة القراءة”.

ويقارن مانغويل بين المكتبة التقليدية المكونة من الكتب الورقية من مختلف القطع والأحجام، وبين المكتبة الإلكترونية الافتراضية، فيقول: “أريدها لي، الكتب التي أقرؤها، ربما هذا هو سبب ضيقي بالمكتبة الافتراضية، فليس بمستطاعك حقًا أن تمتلك شبحًا، أريد الألفاظ في تجسدها المادي، أي الحضور الملموس للكتاب، شكلًا وحجمًا وقوامًا، أتفهم أريحية التعاطي مع الكتب غير الملموسة، والأهمية التي تحظى بها في مجتمع القرن الحادي والعشرين، ولكنها بالنسبة إليّ كالحب الأفلاطوني. أنا مثل توما الرسول، أريد اللمس لكي أؤمن”.

بهذا الإحساس الممجّد لقيمة الكتب، يطرح مانغويل أسئلته حول علاقة المرء بالكتاب والمخطوطات والموسوعات، وبتلك الكتب الإلكترونية التي استحالت، الآن، حروفًا خرساء على شاشة مضيئة. يبحث في المعنى العميق لاقتناء الكتب وبناء مكتبة، ويحاول فهم تلك الروابط الخفية التي تنشأ بين القارئ والكتاب، مستعينًا بتجربته الشخصية من دون أن ينسى الغوص في آلاف الصفحات التي سطّرها أسلافه بحثًا عن حكمة دالة أو تأمل عميق أو مقولة لمّاحة أو عبارة مذهلة.