إختار المؤرخ الإسرائيلي "بابيه" 10 خرافات شائعة، 6 منها تتحدث عن تاريخية فلسطين وشعبها العربي، وهي معروفة لأي شخص على علاقة – بطريقة أو بأخرى- بالمسألة الفلسطينية – الإسرائيلية.
هكذا ردت إسرائيل هزيمتها مع حزب الله
صدر كتاب "عشر خرافات عن إسرائيل" للكاتب الإسرائيلي "إيلان بابيه" عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ترجمة سارة عبد الحليم (2018).
يبدأ "بابيه" - الذي يعتبر من المؤرخين الجدد في إسرائيل - كتابه بقوله "يقع التاريخ في قلب كل صراع. ومن شأن التوصل إلى فهم حقيقي ومتجرد للماضي أن يتيح الفرصة للسلام".
ويتابع "بابيه" أن المغالطات المتشكلة عن الماضي والحاضر في إسرائيل وفلسطين تعوقنا عن فهم جذور الصراع. تستند الرواية التاريخية الصهيونية بشأن الطريقة التي أصبحت فيها الأرض المتنازع عليها دولة إسرائيل إلى جملة من الخرافات التي تلقي، بصورة ماكرة، ظلالاً من الشك على الحق الأخلاقي للفلسطينيين في الأرض. وغالباً ما تقبل وسائل الإعلام السائدة والنخب السياسية في الغرب هذه المجموعة من الخرافات بوصفها حقيقة مسلم بها، علاوة على كونها مبرراً للممارسات الإسرائيلية على مدى الـ60 عاماً الماضية أو نحوها.
يرى "بابيه" أن القبول الضمني لهذه الخرافات يفسر إعراض الحكومات الغربية عن التدخل بأي طريقة بناءة في صراع لا يزال مستمراً منذ نشأة الدولة.
يتصدى هذا الكتاب " لهذه الخرافات، التي تبدو في الخطاب السائد كحقائق غير قابلة للطعن. بيد أن هذه المقولات، من وجهة نظري، تعد تحريفات وافتراءات يتعين دحضها من خلال بحث أعمق. والفكرة التي تجمع أجزاء هذا الكتاب هي المقارنة بين الإفتراض الشائع والحقيقة التاريخية. فمن خلال وضع كل خرافة مقابل الحقيقة، يكشف كل فصل عن مواطن الضعف في الحكمة المتعارف عليها عبر استقصاء أحدث ما توصل إليه البحث التاريخي".
ولأن الأكاذيب والخرافات الشائعة التي اعتمد عليها الصهاينة كثيرة. اختار المؤرخ الإسرائيلي "بابيه" 10 خرافات شائعة، 6 منها تتحدث عن تاريخية فلسطين وشعبها العربي، وهي معروفة لأي شخص على علاقة – بطريقة أو بأخرى - بالمسألة الفلسطينية – الإسرائيلية. وقد أدرج المؤلف هذه الخرافات والحجج وفق ترتيب زمني.
يرسم الفصل الأول الذي عنوانه "فلسطين كانت أرضاً خالية" خريطة فلسطين عشية وصول الصهيونية في أواخر القرن الـ19. وتصور الخرافة أرض فلسطين بوصفها أرضاً خالية، قاحلة، أقرب ما تكون إلى الصحراء، وقام الصهاينة الذين وصلوا إليها بزراعتها. إلا أن حفنة من الباحثين الإسرائيليين نجحوا فعليا في تفنيد هذه الرواية من بينهم ديفيد غروسمان، أمنون كوهن، ويهوشع بن اريه. وأظهرت أبحاثهم أن فلسطين، على مدى قرون لم تكن صحراء، بل كانت مجتمعاً عربياً مزدهراً. أما الحجة المضادة فتكشف عن وجود مجتمع فلسطيني مزدهر، فيما مضى كان يشهد عمليات متسارعة من التحديث وبلورة النزعة القومية.
فعندما وصل العثمانيون إلى فلسطين وجدوا مجتمعاً ناطقاً باللغة العربية غالبيته من المسلمين السنة. وقد شكل اليهود حينها أقل من خمسة في المئة من السكان، بينما شكل المسيحيون بين 10 إلى 15 بالمائة من السكان.
وتقترن الخرافة بأن فلسطين أرض بلا شعب بالخرافة بأنها شعب بلا أرض، التي تشكل الفصل الثاني. فهل كان اليهود فعلياً هم سكان فلسطين الأصليون؟ تصر الخرافة الصهيونية بأن اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين في العام 1882 ينحدرون من اليهود الذين طردهم الرومان نحو عام 70 للميلاد. وتشكك الحجة المضادة في صلة النسب هذه، حيث أظهر جهد بحثي ضخم بأن اليهود إبان الحكم الروماني لفلسطين ظلوا في الأرض، متحولين إلى المسيحية أولاً ثم إلى الإسلام. أما من هؤلاء اليهود فسؤال لا يزال مطروحاً، فلعلهم كانوا من الخزر الذين تحولوا إلى اليهودية في القرن الـ19 الميلادي، أو أن اختلاط الأعراق خلال 1000 عام يجعل من المستحيل التوصل إلى إجابة عن هذا السؤال. فالصلة بين المجتمعات اليهودية في العالم وفلسطين في حقبة ما قبل الصهيوني كانت دينية وروحية.
يسرد الكاتب في الفصل الثالث الخرافة التي تساوي الصهيونية باليهودية ( بحيث لا يمكن تصوير معاداة الصهيونية إلا بوصفها معاداة للسامية).ويحاول الكاتب دحض هذه المعادلة من خلال إجراء تقييم تاريخي للمواقف اليهودية إزاء الصهيونية، وتحليل تلاعب الصهيونية باليهودية لأسباب استعمارية، ولاحقاً لأسباب إستراتيجية.
أما الفصل الرابع فيناقش الزعم بأنه لا توجد ثمة صلة بين الاستعمار والصهيونية. وتنطلق الخرافة من أن الصهيونية حركة تحرر قومية ليبرالية، في حين أن الحجة المضادة تعمل على وضع الحركة في إطار استعماري، إن لم يكن مشروعاً استعمارياً استيطانياً، على غرار تلك في جنوب أفريقيا والأميركيتين وأستراليا. وتكمن أهمية هذا الدحض في أنه يعكس الكيفية التي نفكر بها في المقاومة الفلسطينية ضد الصهيونية، ولاحقاً ضد إسرائيل. فإذا كانت إسرائيل مجرد دولة ديمقراطية تدافع عن نفسها، فهذا يعني أن كيانات فلسطينية مثل منظمة التحرير الفلسطنية ليست سوى جماعات إرهابية. أما إذا كان نضال هذه الكيانات ضد مشروع استعماري فهذا يعني أنها حركة مقاومة للاستعمار، وستكون صورتها على الساحة الدولية مختلفة تماماً عن تلك التي تسعى إسرائيل ومؤيدوها إلى فرضها على الرأي العام العالمي.
يستحضر الكاتب في الفصل الخامس الخرافات المعروفة لحرب 1948، ويهدف تحديداً إلى تذكير القراء لماذا تم كشف زيف مزاعم الفرار الطوعي للفلسطنيين بنجاح بالاستفادة من علم التاريخ المتخصص. كما يناقش هذا الفصل خرافات أخرى تتعلق بأحداث العام 1948.
يبحث الفصل السادس في ما إذا كانت حرب 1967 قد فرضت على إسرائيل، وبالتالي " لم يكن ثمة خيار" إلا بخوض الحرب". أزعم هنا بأن هذه الحرب كانت جزءاً من رغبة إسرائيل لاستكمال الاستيلاء على كل فلسطين.
ويأخذنا الفصل السابع إلى الوقت الراهن، فيطرح "بابيه" السؤال التالي: هل إسرائيل دولة ديمقراطية أو كيان غير ديمقراطي؟ ويجيب: أسعى إلى البرهنة بأنها ليست ديمقراطية من خلال معاينة وضع الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة، الذين يشكلون في المجموع نحو نصف تعداد السكان الواقعين تحت حكم إسرائيل.
ويتطرق الفصل الثامن إلى عملية أوسلو، فبعد ربع قرن من توقيع الإتفاقية نتساءل: ما إذا كانت إتفاقية أوسلو منيت بالفشل، أو حيلة إسرائيلية لتكريس الإحتلال. ويتحدث "بابيه" عن التسويف الأمريكي – الإسرائيلي في قضايا القدس وعودة اللاجئين ووقف بناء المستوطنات. فالممارسة الوحشية الصهيونية التي تعرض لها الفلسطينيين يومياً بعد إتفاق أوسلو في حياتهم اليومية هي التي أدت إلى الإنتفاضة الثانية التي ردت عليها إسرائيل بإعتداءات إرهابية تم فيها لاول مرة إستخدام الجيش الإسرائيلي طائرات لقصف مخيمات اللاجئين، وإستخدام الأسلحة الثقيلة الأكثر فتكاً ضد أناس أبرياء.
ففي صيف 2000 كان الجيش الإسرائيلي محبطاً بعد هزيمته المذلة على أيدي حزب الله. وكان الخوف بأن هذه الهزيمة جعلت الجيش يبدو ضعيفأً، لذا كانت ثمة حاجة لاستعراض الجيش "القوة التي تقهر" لتأكيد هيمنته داخل الأراضي المحتلة.
الفصل التاسع يتحدث عن خرافات غزة التي ما تزال تحظى بقبول واسع، وهي أن مأساة الناس سببها الطبيعة الإرهابية لحركة حماس. ويتبنى "بابيه" وجهة نظر مغايرة، طارحاً نفسيراً اخر لما حدث في غزة منذ منعطف القرن القادم.
وأخيراً يتصدى "بابيه" في الفصل العاشر لخرافة حل الدولتين التي يشبهها بجثة تؤخذ إلى المشرحة بين الحين والآخر، ويتم إلباسها ملابس أنيقة، لتظهر كأنها شخص حي، ثم عندما يكتشف الجميع زيف ذلك يعاد إدخالها إلى المشرحة لتعاد الكرة.
هذه الجثة يجب أن تدفن مع باقي قاموس الوهم والخداع بمدخلاته الشهيرة، مثل "عملية السلام" و"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، و"الدولة المحبة للسلام"، و"التكافؤ والمعاملة بالمثل"، و"حل إنساني لمشكلة اللاجئين"