كتابات وآراء


الإثنين - 25 ديسمبر 2017 - الساعة 02:33 م

كُتب بواسطة : ‫د.علي صالح الخلاقي - ارشيف الكاتب


في كل مرة أزور المكلا تدهشني بجاذبيتها الخفية وسحرها الذي لا يقاوم، وبأناسها الطيبين الذين تشعر بألفة روحية حين تكون بينهم وتشعر وكأنك واحدٌ منهم. وتزداد هذه الألفة والجاذبية حين تكون في وسط قريب يجمعك فيه التاريخ بعبقه وبأحداثه وشخوصه، وهكذا كان حالنا في لقائنا بنخبة من مؤرخي وأدباء وباحثي حضرموت وعدن ممن احتضنتهم قاعة المؤتمر العلمي الثاني لمركز حضرموت للدراسات التارخية والتوثيق والنشر يوم 19ديسمبر الجاري تحت عنوان(التاريخ والمؤرخون الحضارمو- القرن العاشر الهجري)..
حينما اقترابنا في رحلتنا مع الزملاء من أكاديمي جامعة عدن ومركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر من مشارف مدينة المكلا لمسنا اليقظة والحرص لدى افراد النقاط العسكرية ودقة التفتيشات التي يقومون بها، وهو لمسناه أيضاً في رحلتنا السابقة، لكن النقطة الجديدة أخذت منا- في هذه المرة- وقتاً أطول قضيناه في الانتظار داخل الباص دون السماح لنا بالنزول حتى فروغهم من تفتيش الباص السابق لنا، وكان بالإمكان أن يتفرغ عدد من الجنود لكل باص على حدة في وقت واحد، حتى تسير العملية بسلاسة ولا ينتج عنها أي تأخير للقادمين في رحلاتهم إلى المكلا وهو ما نتمنى أن نراه في قادم الأيام، ومع ذلك فقد تقبلنا بكل أريحية هذه الإجراءات والتفتيش الدقيق للركاب وعفشهم والتأكد من بطاقات الهوية، ثم دخلنا المكلا بسلام آمنين، دون أنرى أية مظاهر مسلحة أو درجات أو سيارات بدون أرقام وتحمل مسلحين مدنيين، وهذا ما نفتقده في عدن التي لم نلمس فيها شيئا من الدقة في نقاط التفتيش، وكم نحتاج في هذا الظرف الأمني أن نتعلم من تجربة المكلا لتنعم عدن بأمن أكثر.
رحلتنا كانت قصيرة، وكان البرنامج مضغوطاً ومكثفا ففي صباح الثلاثاء الماضي جرت أعمال المؤتمر، على جلسات ثلاث متتالية، بدأت في الثامنة صباحاً وأنتهت في الثانية ظهراً، وتخللها استراحة قصيرة لتناول الشاي والمرطبات، وأدار الجلسة الأولى الزميل د.قاسم المحبشي واستخدم سلطته الرمزية بصرامة في التعامل مع الوقت المحدد لكل باحث مع إضفاء شيءٍ من الظرافة التلقائية المحبَّبة إلى النفس، وأخذنا عليه مغادرته القاعة خلسة في الجلسة الثانية، لكننا عذرنا له ذلك حينما علمنا أن زميله د.حسن الغلام نائب عميد كلية الآداب بجامعة حضرموت اختطفه على حين غرة من القاعة للقيام بزيارة قصيرة لكلية الآداب لبحث أوجه التعاون والتنسيق بين الكليتين خاصة وأن زميلنا د.قاسم الحبشي يشغل منصب نائب عميد كلية الآداب بجامعة عدن.فيما أدار الجلسة الثانية د.صادق عمر مكنون، والجلسة الثالثة د.أحمد سعيد عبيدون، الذي تميز بالحرص والجدية على سلامة اللغة العربية كمتخصص فيها. ورغم ضغط عامل الوقت إلا أن القاعة ظلت ممتلئة بالحضور من المشاركين والضيوف ممن تابعوا باهتمام ملخصات الأوراق المقدمة، حتى نهاية أعمال المؤتمر، وهو ما نتمى أن نراه في الفعاليات المماثلة في عدن التي يكتفي معظم المدعوين فيها بحضور جلسة الافتتاح إن لم يكونوا مشاركين، دون الاستفادة من القيمة العلمية للأبحاث والأوراق المقدمة في مثل تلك الفعاليات، ناهيك عن التأخير في بدء الفعاليات الصباحية عن موعدها المحدد.
ما يسر النفس أن المؤتمر جمع في رحابه مؤرخين وباحثين من مختلف الفئات العمرية، تصدرهم المؤرخ جعفر محمد السقاف والشيخ علي سالم سعيد بكيِّر وهم الأكبر سنا ومكانة في هذه التظاهرة الثقافية العملية، فضلا عن مشاركة أساتذة وباحثين أجلاء، لا يتسع المجال لذكرهم، لكن ما لفت انتباهنا هو تفاعل الحاضرين مع الأبحاث والأوراق المقدمة وإثرائها بمناقشات مستفيضة ودقيقة تضيف عليها قيمة علمية، وطُرحت ملاحظة حول غياب العنصر النسائي الحضرمي رغم وجود باحثات وأكاديمات واسماء معروفة.
ومن أطرف ما أثير في القاعة نزعة التعصب العاطفي لبعض العائلات، وهو ما لم قبولا من الجميع في هذا المحفل العلمي الذي ينظر إلى التاريخ وأحداثه وشخوصة بنسق ورؤية موضوعية واحدة لا انحياز فيها إلى الأهواء والعواطف، ومثل ذلك رفض الأحكام الجاهزة التي تنطلق من رؤية سياسية متغيرة بتغير الأحداث، كما طرح أ.د.محمد سعيد داؤود.
الحفل الختامي الذي جرى بعد صلاة العشاء مباشرة، ألقىيت فيه كلمة من قبل د.خالد بلخشر نائب رئيس مركز حضرموت، وكلمة عن وفد جامعة عدن ومركز عدن للدراسات والبحوث التاريخية والنشر ألقاها زميلنا أ.د.محمد عبدالله بن هاوي باوزير، وكان الحفل مناسبة رائعة ولفتة طيبة لتكريم الشخصيات التي أسهمت في إثراء التاريخ والثقافة الحضرمية، حيث جرى شمل تكريم مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر كل من: السيد جعفر محمد السقاف والشيخ علي سالم بكيِّر والأستاذ عبدالله صالح حداد والأستاذ سعيد عوض بايمين ، إلى جانب تكريم الفائزين بجائزة المركز في مجال البحث العهلمي وهم: الأستاذ أسامة سبيت نويصر، د.محمد سالم بخضر، د.محمد يسلم عبدالنور، والأستاذ محسن علوي باعلوي، وكذا تكريم الفائزين بجائزة المركز للفيلم التسجيلي وتكريم المشاركين بالأبحاث وإدارة الجلسات.
ما ينبغي قوله هو أن هذا النجاح كان ثمرة جهود مضنية ومخلصة ودؤبة لفريق مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر الذي يضم كوكبة من الأساتذة الذين يقفون وراء هذا النشاط المثر، يأتي في مقدمتهم رئيس المركز أ.د. عبدالله سعيد بن جسار الجعيدي ونائبه أ.د.خالد بلخشر، فلهما ولبقية زملائهم نرفع القبعات..والشكر للداعم والمشرف العام الشيخ الفاضل محمد سالم بن علي جابر.
كنت في شوق للقاء صديقي فرج سالمين البحسني محافظ حضرموت، وكنت أتوقع أن يشارك في افتتاح أعمال المؤتمر، لكنه يقوم بزيارة عمل ناجحة إلى الإمارات العربية نتمنى أن تثمر خيرا في قادم الأيام لحضرموت..وبعد يوم حافل وزاخر غادرنا المكلا واستودعنا فيها بعضا من روحنا، على أمل لقاء قادم وفعاليات مماثلة أخرى تتناغم فيها أصداء الموج في صيرة والمعلا، مع أمواج ونسيم خور المكلا، وهي تعزف سيمفونية الغد الأجمل والأحلى..