آخر تحديث :الأربعاء-30 أكتوبر 2024-03:43م

اخبار وتقارير


«الشقب»... قرية يمنية تتحرك في الظلام خشية القناصين

«الشقب»... قرية يمنية تتحرك في الظلام خشية القناصين

الأحد - 17 ديسمبر 2023 - 05:57 م بتوقيت عدن

- ((المرصد))وكالات:

تلجأ خيرية سعيد، من أهالي قرية «الشقب» التابعة لمديرية صبر الموادم شمال شرقي مدينة تعز اليمنية، إلى إعداد إفطار عائلتها قبل شروق الشمس بساعات عديدة؛ وذلك لأن القناص الحوثي المتمركز في «تلة السلال» قبالة منزلها يطلق النار على المنزل كلما رأى دخاناً يتصاعد من فتحة سقف المطبخ، حيث يستخدم غالبية أهالي القرى في اليمن الحطب للطهي.

ولا يرى القناص الحوثي نار الموقد؛ لأن خيرية سدت كل النوافذ، وهو ما يؤثر على تنفسها وصحة عينيها، وغالباً ما تظل تتنقل بين المطبخ وسطح المنزل لاستنشاق الهواء خلال إعداد الإفطار، أما الغداء فتنتقل إلى منزل أقاربها المتواري عن أنظار القناصة لإعداده، ثم نقله على رأسها إلى المنزل.



ويشكو أهالي قرية «الشقب» من قلة اهتمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية بالانتهاكات التي يمارسها مسلحو الجماعة الحوثية بحقهم، فالقرية التي يزيد تعداد أهلها على 10 آلاف شخص، يعيش أهلها تحت رحمة نيران القناصة، ويضطرون إلى سلوك طرق متوارية عن أنظارهم، إلا أن تلك الطرق مزروعة بالألغام!

ورغم معرفة الأهالي بالمواقع التي زرع فيها مسلحو الجماعة الحوثية الألغام، ومحاولاتهم تجنبها، إلى جانب بعض المبادرات الشبابية للتخلص منها بطرق بدائية؛ فإن ثمة ألغاماً يصعب اكتشافها، وتؤدي بين الحين والآخر إلى إحداث إصابات في أوساط السكان.

الظلام صديق السكان
تعود آخر إصابة بانفجار لغم في القرية إلى قرابة الشهرين، حين أصيبت امرأة بانفجار جوار منزلها، بعد أن أصيبت مرتين خلال الأعوام السابقة بطلقات القناصة الحوثيين في يدها وفي قدمها.

ويحاول أهالي الأجزاء المكشوفة من القرية أمام القناصة الحوثيين الخروج والدخول من وإلى منازلهم والقرية لقضاء مصالحهم خلال الظلام، وغالباً ما يغادرون منازلهم قبيل شروق الشمس ويعودون إليها بعد مغيبها، ورغم ذلك يستطيع القناصة إطلاق النار عليهم وإصابتهم بفعل امتلاكهم أجهزة رؤية ليلية.

ويقول عبد المجيد ناجي، من أهالي القرية، إن الأهالي يتحركون في الظلام معتمدين على خبرتهم بالطرق وقوة إبصارهم، أما ضعيفو الإبصار فيضطرون إلى اصطحاب من يدلهم على الطريق، ورغم ذلك فإن التحرك في الظلام يبقى مخاطرة، ويحاول الأهالي خلاله الاحتماء بالصخور والجدران، كما يلتزمون الهدوء حتى لا يجذبوا انتباه القناصة.

أما الأطفال فقد حُرموا من اللعب بسبب أعمال القنص والألغام المزروعة في الطرقات والمزارع ومختلف المساحات المتاحة للعب، بحسب ناجي، وباتت الأماكن المخصصة لألعابهم تقتصر على مساحات ضيقة بين المنازل المحجوبة عن أعين القناصة، أو فوق التكوينات الصخرية التي يضمنون عدم وجود ألغام فيها.

وغالباً ما يستمتع مسلحو الجماعة بإخافة وإزعاج أهالي القرية، بإطلاق قذائف المدفعية في أوقات متأخرة من الليل لإيقاظهم من النوم وإثارة رعبهم.



وكان الجيش اليمني حرر أجزاء من قرية «الشقب» في ربيع العام قبل الماضي، ومنذ الهدنة المعلنة في ربيع العام الماضي، توقفت العمليات العسكرية في المنطقة، إلا أن الجماعة الحوثية لم تتوقف عن استهداف أهالي القرية بنيران القناصة وزراعة الألغام.

وتسيطر الجماعة على مرتفع صخري يطل على القرية يُعرف بـ«الأكمة»، ومنه يمارس عناصرها أعمالهم العدائية بحق أهالي القرية بشكل مستمر.

طوارئ يومية في تعز
تمتد المأساة من قرية «الشقب» إلى مناطق شتى في مدينة تعز المحاصرة، فبمجرد أن يؤدي علوان الأغبري صلاة الفجر، يغادر منزله بخفة قبل شروق الشمس أو بزوغ أضوائها الأولى، رغم أن عمله يبدأ بعد شروقها بقرابة ساعتين، لكنه يفعل ذلك ليتجنب أن يكون أحد ضحايا قناصة الجماعة الحوثيين المتربصين بسكان حي بريد الروضة شمال مدينة تعز.



ويقع منزل الأغبري في منطقة مكشوفة أمام القناصة المتمركزين على التلال والمباني المرتفعة المحيطة بالحي، ورغم أنه أصبح شبه مهجور بسبب هؤلاء القناصة خلال السنوات الماضية؛ فإن عدداً من السكان عادوا إلى منازلهم بعد تراجع العمليات العسكرية، وسريان الهدنة التي استمرت ستة أشهر من العام الماضي، والتي لا تزال قائمة رغم عدم تجديدها، ورغم هجمات الجماعة.

ومنذ قرابة الشهر أصيبت امرأة في نفس الحي بطلقة قناص حوثي أخطأ رأسها، لكن شظايا الطلقة التي أصابت حائطاً قريباً منها تسببت بجروح خطيرة في وجهها وصدرها وذراعها اليسرى، ووجد أقاربها صعوبة في إسعافها إلى مستشفى الثورة العمومي شرق المدينة، بسبب السيطرة النارية للقناصة على الشوارع والطرق المؤدية إلى المستشفى.

ويفيد صلاح غالب الناشط المجتمعي في مدينة تعز بأنه ليس من السهل الحديث عن حياة المدنيين في الأحياء الواقعة تحت أنظار القناصة، فهؤلاء يحسبون لكل خطواتهم وتحركاتهم حسابات كثيرة؛ لأن الخطأ الواحد قد يكلف صاحبه حياته أو يتسبب له بإعاقة دائمة، في حين يعد الأمر بالنسبة للقناصة مجرد تسلية يقضون بها أوقاتهم.

ويشير غالب في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مديريتَي القاهرة والمظفر داخل مدينة تعز محاصرتان بالكامل، وإلى جانبهما أجزاء كبيرة من مديرية صالة شرقاً، والمحاصرة من ثلاثة اتجاهات، الشرق والشمال والغرب. وبينما يعيش أهالي هذه المديريات حالة طوارئ يومية بسبب نيران مدفعية الجماعة؛ فإن سكان الأحياء الطرفية منها يعيشون تحت رحمة القناصة.



ولم تتوقف أعمال القنص والقصف بالأسلحة الثقيلة ومحاولات التسلل التي يمارسها المسلحون التابعون للجماعة الحوثية في أطراف مدينة تعز وخطوط التماس رغم تراجع المواجهات، كما أن الأحياء والقرى البعيدة من تلك المناطق ما زالت عرضة لنيران مدفعية الجماعة وصواريخ الكاتيوشا.

وفي الوقت الذي تزعم فيه الجماعة الحوثية مناصرة أهالي وسكان قطاع غزة ضد اعتداءات الجيش الإسرائيلي؛ يتهم المدنيون من سكان مدينة تعز الجماعة التي تحاصرهم منذ 9 أعوام باستهدافهم المستمر، وتعمد تحويل حياتهم إلى حالة طوارئ دائمة.