تعني كلمة هوت كوتور "الخياطة الراقية"، فكلمة "هوت" تعني رفيع، وكلمة "كوتور" تعني صناعة الملابس، وتعتمد هذه الصناعة على الملابس المصممة يدوياً من أقمشة فاخرة وتستمد فخامتها من التطريز المتقن المنفذ على يد حرفيين مهرة هم الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها كبريات الدور العالمية، وبنيت فكرة الهوت كوتور على التصميم حسب الطلب، وهو الأمر الذي ساهم بالتأكيد في الترويج لهذه الصناعة خاصة بين صفوف الأثرياء والعائلات الملكية، ففكرة المجموعات الحصرية المصممة بقطع محدودة تناسبهم تماماً.
كيف كانت بداية صناعة الهوت كوتور؟
بدأت صناعة الهوت كوتور قبل 150 عاماً في باريس، ولكن اللافت أنها ولدت على يد مصمم أنجليزي شهير في ذلك الوقت، أنه تشارلز فريدريك وورث Charles Frederick Worth الذي سيُعرف فيما بعد بأسم "أبو الأزياء الراقية" The Father of Haute Couture.
تخرج وورث من قسم الخياطة فى لندن في عام 1851، وفي عام 1858 أفتتح أول متجر للأزياء الراقية The House of Worth، وكان من أوائل بيوت الأزياء التي استخدمت العارضات لعرض التصميمات للعملاء، وهو أول من ابتكر فكرة تصميم وتنفيذ الفستان بشكل حصري لزبونه واحدة.
وضمت قائمة الزبونات البارزات لدار وورث أسماء ملكية كثيرة مثل الإمبراطورة أوجيني، زوجة الإمبراطور نابليون الثالث، إمبراطورة النمسا إليزابيث، وملكة المجر لويزا، ملكة السويد ماريا كريستينا.
وفي وقت لاحق من القرن التاسع عشر لمع نجم أسماء أخرى في صناعة الأزياء الراقية مثل جاك دوسيه الذي أسس ماركته عام 1871، كما أُسست دار جين باكين في عام 1891، وفي بداية القرن العشرين كانت البداية لدار إلسا سكياباريللي Elsa Schiaparelli التي تأسست عام 1927 وتواصل إبداعاتها إلى يومنا هذا.
أتاح عالم الكوتور لمصممين عرفوا بجرأة الأفكار مثل إلسا سكياباريللي مجال أرحب للإبتكار خاصة على مستوى التطريز والذي تعاونت فيه إلسا مع دار التطريز الفرنسية ليساج Lesage.
كوكو شانيل اسم بارز في عالم الكوتور
تعتبر كوكو شانيل Coco Chanel من أبرز الأسماء في عالم صناعة الموضة والأزياء الراقية، المصممة التي كان لها الفضل في تحرير المرأة من قيود الكورسيه وكانت السبب وراء إنتشار مفهوم "الأناقة غير الرسمية" Casual Chic، أسست علامتها التجارية في عام 1909، وفي البداية اعتمدت على الأيادي الماهرة للمهاجرين الروس والذين عينتهم في ستوديو التطريز الخاص بها لتنفيذ تصاميمها، ليصل عدد القوى العاملة لديها في وقت لاحق إلى 3000 امرأة.
ركزت شانيل طوال رحلتها على التصاميم البسيطة المنفذة من الدانتيل والتول والمزينة بالتطريز الدقيق، وبعد توليه منصب المدير الإبداعي للدار في عام 1983 حرص كارل لاغرفيلد على إحياء الإرث الفاخر للدار الفرنسية من خلال التنقيب في أرشيفها على مصادر إلهام لكل مجموعة جديدة لتبقى رؤية شانيل خالدة على مر السنين.
فصل جديد من الأناقة الراقية مع ديور
لا يمكن تصور عالم الكوتور من دون اسم مصمم الأزياء الفرنسي الشهير كريستيان ديور Christian Dior والذي عمل في بدايته تحت إشراف مصمم الأزياء روبرت بيجيه Robert Piguet، وكانت وقتها دار بيجيه المكان الذي اجتمعت فيه المواهب الناشئة حيث عمل ديور جنبًا إلى جنب مع بيير بالمان ومن بعده جاء مارك بوهان. قال ديور عن الفترة التي قضاها في بيجيه: "لقد علمني روبرت بيجيه فضائل البساطة التي يجب أن تبنى عليها الأناقة الحقيقية".
في عام 1946 تأسست دار كريستيان ديور، وفي عام 1947 كشف المصمم عن مجموعته الأولى والتي ضمت 90 إطلالة، وكانت بمثابة الإحياء لصناعة الأزياء الفرنسية التي تأثرت كثيراً بالحرب العالمية، فقد كانت المجموعة التي أطلق عليها أحد محرري الموضة المشهورين أسم New Look بمثابة فصل جديد في تاريخ الأزياء.
مجموعات غوتييه شكلت المفهوم العصري للهوت كوتور
في عام 1970، تم تعيين جان بول غوتييه Jean Paul Gaultier البالغ من العمر ثمانية عشر عامًا من قبل بيير كاردان بناءً على الرسومات التي أرسلها إليه. وبعد ست سنوات فقط، أصدر غوتييه مجموعته الفردية الأولى وطوّر أسلوبه عاماً بعد عام قبل أن يصبح معروفاً باسم "الطفل الرهيب" في مجال صناعة الموضة الفرنسية، وشغل منصب المدير الإبداعي في هيرميس من عام 2003 إلى عام 2010.
حتى عام 2014، صمم غوتييه ثلاث مجموعات وجميعها للأزياء الجاهزة لكل من الرجال والنساء، وفي عروض ربيع وصيف 2015، أعلن أنه سيغلق خطوط الملابس الجاهزة للتركيز على شغفه الأصلي، وهو تصميم الأزياء الراقية.
أسبوع الهوت كوتور في عصرنا الحالي مزيج من الفن والتجارة غير مضمونة الربح
يتوافد على أسبوع الهوت كوتور بنسختيه في يناير ويوليو من كل عام عدد كبير من المشترين بحضور الصحافة بالإضافة إلى زبونات كل دار وعدد كبير المشاهير في مختلف المجالات، والذين يشغلون الصفوف الأولى انتظاراً للعرض المبهر لماركتهم المفضلة، ولكن السؤال هل تحقق الدور العالمية الربح المستهدف من مجموعات الأزياء الراقية؟
الحقيقة أن صناعة الأزياء الراقية باتت مهددة بفضل إعتماد الكثير من النساء على الأزياء الجاهزة وحتى الأزياء السريعة التي توفرها علامات معروفة بشكل شبه شهري، فحتى الزبونات اللواتي يمكنهن تحمل تكاليف الهوت كوتور، أغلبهم يفضل اللجوء إلى قطع أكثر بساطة من حيث التصميم والتطريز، الأمر الذي دفع الكثير من دور الأزياء المتخصصة في صناعة الكوتور إلى إنتاج مجموعات من الأزياء الجاهزة بأسعار أكثر واقعية للأغلبية، بدلاً من التسعير الحصري للأقلية الثرية.
الشروط الواجب توفرها في مصمم الأزياء لينضم إلى جدول أسبوع الهوت كوتور
أن يكون التصميم حسب الطلب للعملاء.
أن يكون لدى المصمم ورشة عمل في باريس توظف 20 موظفاً، وما لا يقل عن 20 حرفياً متفرغاً بدوام كامل.
تقديم مجموعة مكونة من ما لا يقل عن 25 تصميماً مكوناً من ملابس نهارية ومسائية مرتين سنويًا (يناير ويوليو) في أسبوع الأزياء الراقية في باريس.
بسبب اللوائح الصارمة التي تفرضها Chambre Syndicale De La Couture، لا يمكن إلا لعدد قليل من دور الأزياء استخدام علامة الهوت كوتور الحصرية.