آخر تحديث :السبت-21 ديسمبر 2024-08:17م

نلتقي في سعاد

الثلاثاء - 04 فبراير 2020 - الساعة 03:36 م

محمد علي العولقي
بقلم: محمد علي العولقي
- ارشيف الكاتب

لا حيلة لي أمام هؤلاء الحضارم الذين يوقظون وجداني العاطفي كل دقيقة وكل ثانية.. كلما أغلقت صدفتي على محارة تألقهم وألقهم، حتى يفتحوا أمامي مليون صدفة في أعماقها محارات سر حبي الدفين الذي لم يعد غامضا.. نعم أيها الحضارم، انكشف مستور عشقي الدفين لكل جديد ومفيد، ووقعت في شباككم، وعيني لغير جمالكم لا تنظر.. هذه المرة باغتتني (سعاد) بهجمة مرتدة مست أعمق أعماقي، كانت بشارة (الشحر) الرياضية أكبر من أن يتحملها ملفي، بشارة أرغمتني على العودة للنظر إلى جمالكم قبل أن يرتد إلي طرفي.. عشرون عاما والشاعر الغنائي المتيم ببيئة حضرموت الغنية بموروثها الفني والغنائي، قصيدة شوق تغلي على شفتي. عشرون عاما وأمير البيئة الحضرمية الراحل حسين أبوبكر المحضار يعيش بين قوافي قلوبنا و عروض أفئدتنا، لم يكن صداه في أعماقنا يعلو ويرتفع مع شهيقنا وزفيرنا، إلا لأنه خالد بروعة أعماله و ميزان صرفه الشعري الذي جعل للشعر الغنائي لسانا وشفتين و عيونا تتكحل بمرود سحر كلماته وألحانه، التي ذاعت في الجزيرة والخليج، وأسمعت من به صمم.. عشرون عاما، و هذا المتصوف الفني الزاهد في محراب الأدب ينام في قلوبنا ملء جفنيه عن شواردها، وقد أسهر الخلق بعبقريته الفذة و تنوع تراثه الفني.. عشرون عاما أيها النائم في ملكوت الله، و أنت حي في وجدان (سعاد)، حاضر بقوة في فيافي (الشحر)، تتمدد على صحراء أقفاصنا الصدرية، نتنفس من مسمات شعرك، كما تتنفس من رئاتنا حبا وعشقا و تصوفا.. عشرون عاما يا من تتغذى (الشحر) من مقامات زهدك، ومن رحيق فنك الأصيل، وأنت تعيش تحت جلد مدينة باسلة احتوتك، ولم تغير قط عنوانك.. عشرون عاما يا أمير القوافي و ملك البيئة الحضرمية، وأنت كما أنت نتعطر من أنفاس بيئتك، و نتزين من مروج أشعارك ، و نضبط أعصابنا على توقيت دانك .. عشرون عاما يا فيلسوف الشعر الغنائي، و مزاجنا لا يعتدل إلا بألحانك و وأشعارك ، لسانك الزين الذي ينقط عسلا، أصدق أنباء” من الكتب.. لا حاجة لنا أن نسأل نشيدك عن طائرك ، لا حاجة لنا أن نتخبر موردك على مليح أسمر ، فأنت كما أنت حوري طائرك في عنقك ، لم يخلف يوما موعدا ، ظل يحلق في سمائنا حاملا نشيدك، نشيد البيئة والصحراء ، الزهد و التصوف الشعري و بساطة الحضارم.. عشرون عاما مضت على رحيلك ، لكن شعرك الغنائي النابض بالحركة والبركة يتوغل كل يوم في تلافيف عقولنا و أمخاخنا.. لا يحلو السهر إلا مع ليلك، الذي جعلت منه بساطا سندسيا لجمال قوافيك، ولا يحلو لنا التخلص من تراكمات النفس الأمارة بالسوء، إلا مع ألحانك النابضة بالحياة والرقة والجمال ، وبساط ريح دانك الذي لا يعلو عليه.. عشرون عاما وقلبك المثخن بعشق (الشحر)، يبكي الغربة، ثم يحرقها بتأوهات أضاءت قلب كل حضرمي، وما مع العاشق بصر غير الدموع ، هاجر و بين جوانحه وصية الطائر الضاوي الذي يحن لعشه، كلما فتحت في قلبه ثغرة لفنك الذائب في هيام حضرموت ساحلها وواديها.. إذا كانت السياسة قد باعدت بين ضفتي الساحل والوادي، فأنت يا أمير القوافي قربت المسافات ووحدت هوية حضارم اليوم، و خلقت توأمة وجدان بين الساحل و الوادي.. هنا عشقت الساحل برا وبحرا ، وهناك ذبت هياما في مآذن تريم و أنفاس تصوفها و فلسفتها ، و عشقت صحراء الوادي بكل تنوعها البيئي إلى درجة الغيرة.. لم تطق يوما مفارقة (سعاد)، ما إن تعطس أنت في الغربة حتى تصاب (الشحر) بالزكام ، هنا في (الشحر) تغزلت دوما بملحمة حضارم أذاقوا أحفاد ماجلان هزيمة نكراء، تحولت على لسانك إلى الياذة في مدارسنا و جامعاتنا.. لا تشتك في قبرك من عقوق وطن أضاع بوصلة الإيمان، و باع الحكمة الشهيرة في أسوأ مزاد، زمن علوج بلانا بهم ربي، الزمن كما هو ما تغير بس أهل الزمن ويلاه متغيرين ، فأنت هنا في حلنا و ترحالنا، في أفراحنا و أتراحنا، في معاناتنا وفي بؤسنا، لم ننسك .. وكيف لنا ذلك وأنت في أحشائنا وطن عصي على الغزاة البغاة..؟ الشحر هذه الأيام توقد مشاعلا لذكرى رحيل فارس البيئة الحضرمية حسين أبوبكر المحضار، انطلق سهم الرياضيين من قوس نادي (سمعون)، تباروا على كأس المحضار، تنافسوا بروح المحضار، ثم انتصروا للعاشق الراحل الذي كان يرى في نادي (سمعون) بيته الأول، فلم يشأ أن ينقل فؤاده بحثا عن هوى زائف ، فالشحر ظلت عقله وقلبه ووجدانه.. عشق المحضار للشحر مختلف تماما، فهوى (سعاد) نار تسري في فؤاده مالها شي سرر ، غير لوعة وأنات بعد طول الوقت تلقي أثر، كيف لا تكون (سعاد) عشقه السرمدي و هو من خاض في بحر هواها سبعين قامة، صارع بحور هواها من غير ديرة وربان، وفي سبيل ذلك العشق المتصوف شاف أهوال جم ماهي قليلة، يا ظنيني تشيب بالمواليد؟ شاع حب المحضار للشحر، أحشاؤه كانت مستودعا لها ، باع لها حريته وهي لا تباع، مشى خلف عاطفته وتبعها لم يفترق عنها بنانة ، ويا لها من أمانة.. هل تذكر أيها الشاعر الهائم في قوافي الزهد والوعظ والحكمة كيف كنت تشتاق لشحرك وخيالك يزيل الشوق والأشجان..؟ هل تنكر يا صاحب المقام الرفيع أنك في الغربة، كنت طول الدجى سهران تتقلب على الأشواك..؟ كيف طار النوم من عينيك المسهدتين وأنت تتلو علينا بيان نار بعدك يا حبيبي ، نار والله نار ..؟ هل تنكر أنك ذبت هياما في الشحر، وقد كنت مجرد نطفة و مضغة في غياهب المجهول..؟ ها قد فضحتك أشعارك وكشفت أبعاد حب أول نظرة ، حب الشحر الذي تقبض عليه في كبدك كالجمر ، غازلتها يوما: ودي أطرحك في كفي يا خاتم غريب الشكل تام، و أسلبك على كتفي يا ميزر دقيق الصنع سام.. لم أسمع عن شاعر ظل توأما لمدينة، كحال حسين المحضار ، الشاعر الرومانسي الذي إن غاب عن الشحر يوما، غدر الليل والرحلة طويلة والحمولة على رأسه ثقيلة، و إن أخلف قمري البان موعدا، بات حليفا للشهر، مناجيا جفون الكرى، فالبعد والصد والهجران يقتل، يا له من حب أحرم المحضار رقاده، حب عذري لطالما كان زاده ومرافقه في السفر ، هو كذلك مثل الطير دي هو دوب شادي ويعيش فوق الشجر، متنقلا بين أغصانها رايح وغادي، و إن هزه الشوق فر، هو وله قاتل، هيام ناعس الأجفان، بلا ميزان، يحير الولهان، لم يتب من هذا الحب القاتل حتى والردى يطويه تحت ترابها.. طيف المحضار يدعوكم إلى ملعب (سعاد) ، دعوة أوطان ، فحين يدعوك ضبضب أو جبل شمسان ، استجب في الآن ، ففي أعناقنا لهذا الحكيم الزاهد دين ، وله محل ما تغير في سواد العين.. نحبك يا حسين النظر، نجلك كثيرا، هوانا يجري حواليك يلف الموج لف، وهذا الجبل من فوقنا يشهد، وتشهد لي الكهوف، دائما في الوجدان والطيف في عيوني مليته بنورك، وفضلت أنا حائر من كثرة نطورك، يا كامل وصوفك.. نم يا حسين قرير العين وقلبك المثخن بعشق سعاد لا تحمله هما، فلا أحد صبر مثلك رغم أنك حذرتنا قائلا: الصبر إذا جاوز حدوده قتل، ولا أحد حمل في بحر الحب العميق مثل حملك، هذا لأنك الاستثناء في كل شيء، لهذا سيكون احتفال رياضيي (الشحر) بذكراك مختلفا واستثنائيا.. تعالوا أيها العشاق الى ملعب (الشاحت) في الشحر، لنحيي ذكرى رحيل القيمة والقمة والمقامة حسين المحضار ، شاركوا أبناء الشحر كرنفالهم الكروي، فكم أتمنى أن ألتقي بأحباب قلبي في (سعاد)، هذا منايا والمراد، وكم هي أمنية أن نلتقي في (الشحر) حيث الأنس طاب والشمل التأم بالوفاء والتمام، وحيث ليم الحيط زاحي ورمان، فعيني تشتاق تشوف الخضيرة في كل واد خصيب، حيث كان المحضار يرسم عبقرية شعره بالكلمات والألحان على ضوء الكوكب الساري ..!