آخر تحديث :الجمعة-01 نوفمبر 2024-01:44ص

الموت نازحا..!

الثلاثاء - 22 يناير 2019 - الساعة 12:32 م

محمد علي العولقي
بقلم: محمد علي العولقي
- ارشيف الكاتب

​* ما أقسى أن تعيش نازحا في بلدك، وما أشق على نفس النازح اختزال حياته في (خيمة) في صحراء مأرب. * وما أتعس هذا الشعب النازح الذي يدفع ثمن المغامرات السياسية من كرامته ومن آدميته ومن حياته التي هانت على جميع (الخراطين) .. * أحوال النازحين في (مأرب) بالذات تختلف كليا، ففيها تختلط دموع النساء بآهات الرجال، وتمتزج فيها صرخات وعويل الأطفال بأوجاع شيوخ هانوا على قلوب متحجرة تسرق مواده الإغاثية وتنهب فتات معونته الإنسانية.. * كل المساعدات الغذائية تنتقل بفضل (جن سليمان) الى السوق السوداء، ثم تباع على الأرصفة عيني عينك في كل المحافظات المحررة وغير المحررة، هذه المواد جعلت من بعض الناهبين أغنياء بين يوم وليلة.. * بكيت بحرقة عندما شاهدت صورا مروعة لرجل مات متجمدا من البرد في (مأرب).. * شاهدت خيمة الرجل المهترئة ورياح الصقيع تخترقها كالصاروخ، بخلت عليه حكومة (مأرب) ببطانية تحميه من برد (كانون)، في حين تركت المنظمات التي يقال إنها إنسانية ذلك الرجل في مهب الريح، بلا غذاء، بلا مأوى آدمي، وبلا حبة (كدم) تساعده على مقاومة البرد.. * كانت المفارقة التي أبكت هذا الشعب المنكوب أن فرقاء السياسة كانوا يتصافحون في السويد، ويجتمعون على مائدة من اللحوم، في نفس الوقت الذي أزهق فيه البرد نفسا يمنية تسأل: بأي ذنب قتلت..؟ * صرخة الطفل النازح في مأرب أنارت الأرض والسماء، دون أن تصل لفئة تبغي، وفئة أخرى مشغولة بالمتاجرة على حساب معاناة النازحين.. * تبا لتلك المشاعر المتبلدة التي ذبلت ورود إحساسها، وتبا لقلوب صماء تستأثر بخيرات الوطن وهي تنهب كرامة المواطن المطحون، وتبا لتلك الوجوه الدراكولية التي تمتص كل شيء حتى حياة النازح.. * تسأل دموع الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى كل مسؤول في هذا البلد الذي يدعي بالحكمة والإيمان والقلوب اللينة: كيف للطفل الرضيع أو الشيخ الوضيع تحمل درجة حرارة تحت الصفر بدون وسيلة تدفئة..؟ * هل يمكن لعبدالملك الحوثي أن ينام في العراء وسط زمهرير (كانون) في كهفه أو فلّته دون غطاء أو بطانية..؟ * وهل يمكن لأي قيادي شرعي يبات متخما في فنادق الخارج أن يتحمل وينام في خيمة حقيرة وسط صحراء باردة كالثلج يفترش فيها الرمال ويلتحف بسماء لا تنذر سوى بصقيع لا يرحم..؟ * حتى المبعوث الأممي غثى بنا وهو يبحث عن مجد شخصي للجمع بين الانقلابيين والشرعيين، لكنه يتناسى أن الانتصار الحقيقي يمر عبر بوابة كل نازح شردته الحرب، وليس عبر بوابة فرقاء دراكوليين يرقصون على جماجم هذا الشعب المترب.. * سافرت الشمس خلف الجبال والتلال بلا وداع، وعيون النازحين الهاربين من مصيرهم كعيس يتقتلها الظمأ، والماء فوق ظهروها محمول، هناك في مأرب حيث مولانا (العرادة) يحاول النازحون الصمود في وجه الريح ومبارزة البرد وصقيع سيدة الرمال.. * مات ذلك الرجل متجمدا على الرمال، صرخات أطفاله اليتامى عبرت أوطنا وجبالا بلا تأشيرة، وصلت رسالة اليتامى للذي عيونه لا تنام، لكنها لم تصل لحكومة يمنية مشغولة بتحركات الجنوبيين وعلم دولتهم وعروض جيشهم فقط، بعيدا عن حكاية استعادة الجمهورية من الانقلابيين..!