الفن والأدب

الجمعة - 12 أبريل 2019 - الساعة 05:58 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ خاص:

ارتسمت في الأفق علامات الإشراق وتهلل وجه المدينة مشرقاً تتدلى على الأبنية خيوط الضوء الفضية الدافئة التي ترسلها الشمس بعد أن تجلت الظلمة وسواد الليل الذي ساد معه السكون والسكينة وعيناه تكاد تبصر نور الصباح وشعاعه الأول وكأن الشمس تغزله مبتدئة به قبل غيره من سكان المدينة فبيته في الصفوف الأٌول من جهة الشرق ونافذته تحتضن دفئ قبل غيرها من نوافذ المدينة الحالمة في ليل دامس تلفها الغمائم المحملة بعبق الأرض ورياحين الوادي البرية .
لكن امتداد الشعاع لذلك الصباح على غير العادة وهو على فراشه يلمح وصول الظل نحو حجرته إنه ظل أمه وهي تناديه:
ألم تستيقظ بعد
قام فور سماعه صوت أمه ليرتدي ملابس المدرسة سرواله البني وقميصه الأبيض ويعد كتبه ودفاتره وهو يفتح نافذة غرفته المطلة على طرف القرية ، ما زالت الشمس ترسل أشعتها على استحياء ، ينفتح الباب تدخل أمه معاتبة له:
لماذا لم ترتدي ملابس العمل .. لن تذهب بعد اليوم إلى المدرسة
دون شعور تداعب أنامله الملابس على جسده قبل أن يخلعها وتمتد يديه نحو ملابس العمل يلف المعوز(المآزر) حول جسده ويوثقه بالكمر(رباط الخصر) ويضع الكوفية الزنجباري على رأسه حتى تسقط على جبينه فتغطي عينيه ، تمد الأم يدها ترفعها وهي توصيه:
من اليوم أنت رجل البيت .. عليك الاهتمام بالمقهى وضبط حساباته .. هو مصدر رزقنا وليس من يهتم به بعد وفاة والدك
يحدق النظر في عيني أمه وفي عينيه أسئلة حائرة لم يجرؤ على إلقائها عليها لكن عينيه تتحدث دون لسانه وسرعان الأم ما قرأت الرسائل في عينيه فتجيب قبل أن يسأل:
لن تذهب للمدرسة.. ستهتم بالعمل في المقهى
بعد أن جهز، انطلق نحو المقهى يجر قدميه وعينيه ترقب أقرانه من بعيد وهم يتدافعون نحو المدرسة وهو يحاول أن ينأى ببصره عن أصحابه الذاهبون إلى المدرسة حتى يصل إلى مقهى والده فيجلس على الكرسي الذي كان يجلس عليه والده وأمامه طاولة الحساب والزبائن تتدافع لتضع أمامه الريالات فيغيب عن عالمه الطفولي ليندمج مع جو العمل والحساب ونفسه تتوق لجمع المزيد حتى يعود بها إلى أمه كي تشعر بالسرور ويكبر في نظرها ويكون رجل البيت بعد أبيه، وعند الغذاء يلوح ظل أمه وهي تحمل معها ( براتن ) أطباق من المعدن لحفظ الطعام
ويلوح في عينيه بريق وهو يخبر أمه بما جمع من مال:
أمي الغلة ممتلئة بالكثير من النقود
يفتح الخزنة الصغيرة ليعطي ما جمعه لأمه، تمد يديه تمسح على رأسه وهي تقول:
أحسنت يا ولدي أنت اليوم رجل البيت
تغادر الأم المكان وقبل أن تنطلق تهدي رجلها الصغير نظرات من الحنان كي تمنحه المزيد من الثقة ليمارس عمله، وهو يقلب الطعام ويدعو العمال ليتناولوا طعام الغذاء معه:
تفضلوا .. هي قبل أن يبرد الغذاء
ترمقه بنظرة أخيره قبل أن تغادر وهو منشغل بجمع نقوده وتفقد أدوات العمل ثم يجلس على كرسي والده ويرفع كوفيته الزنجباري
مع فوق عينيه كي يبصر حركة العمل في المقهى الذي يشرف عليه

أقصوصة : عصام مريسي