اخبار وتقارير

الخميس - 21 فبراير 2019 - الساعة 03:31 م بتوقيت اليمن ،،،

المرصد/ارم نيوز



أثارت مشاركة رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، في ندوة مقررة يوم السبت المقبل في كوالامبور، تحت عنوان ”قفوا مع اليمن“، جدلًا وتأويلات سياسية تجاوزت حدود ماليزيا.

وزاد من زخم الندوة التوقيت والرعاية والتوصيات المنشورة مسبقًا، ما بين درجة خضوع مهاتير محمد لنهج الإسلام السياسي، كما يشتغل عليه الإخوان المسلمون في ماليزيا، ودرجة انحيازه الكلي لقطر في تحريضها السياسي والإعلامي على دور قوات التحالف العربية لدعم الشرعية في اليمن.

مهاتير التحق بمحور مناهضة تحالف الشرعية


وفي عرضها لندوة السبت المقبل، التي تنظمها ”هيئة حقوق الإنسان الماليزية“، المعروفة بارتباطها مع المدعي العام القطري علي بن فطيس المري، بوصفه رئيس ما يسمى بـ“الرابطة الدولية لهيئات مكافحة الفساد“ ومقرها ميونخ، وصفت صحيفة ”فري ماليزيا توداي“ مشاركة رئيس الوزراء مهاتير محمد بأنها إعلان رسمي بأن حكومة كوالامبور تخلّت نهائيًا عن النهج السياسي الماليزي الذي كان شريكًا في التحالف العربي بقيادة السعودية، وانضمت لدعاوى الذين يتهمون عاصفة الحزم بأنها – وليس الحوثي – السبب في الأزمة الإنسانية باليمن.

واستذكرت الصحيفة أن مهاتير محمد، بعودته للسلطة في انتخابات 2018، أعطى أولوية في برنامجه للمئة يوم الأولى، لإخراج ماليزيا من التحالف العربي، وسحب قواتها من السعودية، علمًا بأن القوات الماليزية لم تشارك قط في الحرب اليمنية، وإنما كانت وظيفتها الأساسية المساعدة على إجلاء الماليزيين من اليمن، كما قال وزير الدفاع السابق.

موقف الحضارمة اليمنيّين في ماليزيا

يشار إلى أن المسألة اليمنية تعتبر بالنسبة للماليزيين بمثابة قضية داخلية، نظرًا لقوة الجالية اليمنية في البلاد، ومعظمها حضارمة رواد وصلوا ماليزيا منذ عدة أجيال، وأصبح الكثيرون منهم أعيانًا نافذين في القوة التجارية وفي تشكيلهم حلقة وصل بين مسلمي ماليزيا والثقافة العربية الإسلامية.

ومن هذا الموقع، كانت الجالية اليمنية باستمرار تدعم الاستقرار والشرعية اليمنية، لتجد نفسها الآن، بعودة مهاتير محمد إلى السلطة، وقد أصبحت جزءًا من محور يرهن ماليزيا للإخوان المسلمين ولمحور الترويج للإسلام السياسي الذي ترعاه قطر وتركيا.

وزير الخارجية الماليزي رفض المشاركة

نقطة جدلية أخرى أثارتها مشاركة مهاتير محمد في ندوة السبت المقبل، التي كانت وصفتها قناة الجزيرة القطرية بأنها تظاهرة معارضة لدور ”التحالف“ في اليمن، وأن توقيتها كان مقصودًا به أن يتزامن مع الزيارة التي كان مقررًا أن يقوم بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ثم جرى إلغاؤها يوم السبت الماضي.

فقد أعلن وزير الخارجية الماليزي سيف الدين عبد الله رفضه المشاركة في الندوة، في إشارة تناولها الإعلام الماليزي من زاوية أنها ”معارضة من داخل بيت الحكم“ للنهج الذي تُكرّس به حكومة مهاتير محمد انحيازها، وتضع السياسة والاقتصاد الماليزيين تحت ضغط مضاعف وغير مبرر.

يشار إلى أن رئيس الوزراء، مهاتير محمد، الذي كان يوصف بأنه راعي المعجزة الاقتصادية الماليزية، وجد نفسه قبل بضعة أسابيع مضطرًا لزيارة بكين طالبًا منهم الموافقة على إلغاء أو تأجيل تنفيذ عقود إنشائية، لأن الاقتصاد الماليزي مستنزف ولا يستطيع الوفاء بهذه الالتزامات؛ الأمر الذي عمّم انطباعات محلية تقول بأن الرجل الذي بلغ الآن 93 عامًا، يبدو في مشاركته بندوة اليمن، قد فقد توازنه السياسي ويسهم في تعميق الأزمة الاقتصادية، وهو يرتد عن ثوابت وطنية مع الشرق الأوسط، كان فيها الائتلاف الحاكم، على مدى ستين عامًا، متوازنًا في علاقاته مع الدول العربية وفي تقديره للدور السعودي في دعم الاقتصاد الماليزي.

آخر لقاء بين مهاتير وتميم

في التفسيرات الماليزية لمشاركة مهاتير محمد في ندوة احتفى بها الإعلامان القطري والتركي وتوسع بها إعلام الإخوان المسلمين، كان هناك من يعيد التذكير ونشر الصور من الزيارة الأخيرة التي قام بها أمير قطر لكوالامبور في الخامس من كانون الأول/ديسمبر الماضي، مصحوبًا بالنائب العام القطري بن فطيس، ومعهم منصف المرزوقي، رئيس الجمهورية التونسية السابق، الذي يعتبر نفسه رئيسًا لحراك تونس الذي كانت شكّلته قطر في فترة ما سمي بـ“الربيع العربي“.

ففي تلك الزيارة، أُقيمت حفلة في مركز بوتراجايا الدولي، جرى خلالها توزيع جوائز أمير قطر لمكافحة الفساد، وإقامة نصب تذكاري للمناسبة التي جرى خلالها الإعلان عن مليون ريال قطري سيوزعها مهاتير على ”المتضررين من الحرب على الفساد“، فضلًا عن ”تنسيق“ عريض مع منظمات حقوق الإنسان الماليزية، وفي مقدمتها التي ظهرت الأسبوع الجاري أنها هي التي دعت ونظمت لندوة يوم السبت، والتي كان مقررًا أن تتحول إلى تظاهرة معارضة ضد دور قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن.

وبعد أربعة أسابيع تقريبًا من زيارة أمير قطر لمهاتير محمد، التي تضمنت رعاية مشتركة لجهود بعض منظمات المجتمع المدني التي تعتمد نظرية الإخوان المسلمين في ”الإسلام السياسي“، أقام بن فطيس المري حفلًا في مقر ”المنظمة القطرية لهيئات مكافحة الفساد“، في فيينا، بحضور مهاتير محمد والمنظمات الماليزية التي ترفع شعارات حقوق الإنسان.

وقد شكلّت صور حفلي كوالا لامبور وفيينا ذخيرة حيّة للماليزيين الذين اكتشفوا الأسبوع الجاري أن معظم الرعاة والمتحدثين في ندوة يوم السبت المقبل عن اليمن هم من الذين طالهم الدعم والرعاية القطرية.

من هم رعاة الندوة والمشاركون فيها؟

فالراعي الرئيسي لندوة ”الوقوف مع اليمن“ هو تان سري إسماعيل، رئيس منظمة ”سوهاكام“ لحقوق الإنسان، ويساعده في الندوة، التي يتحدث فيها مهاتير محمد، ممثل عن ”جبهة النهضة IRF “ هو الدكتور فاروق موسى، وكذلك أستاذ العلاقات السياسية في الجامعة التقنية، د. جيمس دروسي، الذي كرر في غير مناسبة انتقاده لتحالف دعم الشرعية في اليمن.

كما شارك في الدعوة للندوة التنظيم النسائي“أخوات في الإسلام“، المعروف بارتباطه مع فروع الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة.

كما يشارك في الندوة الدكتور مظفر شاندرا، المعروف بصلة التبعية لتنظيمات الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، والذي كان دوره فيها إنشاء ما يسمى بمنظمات التنوير لأسلمة المجتمع الماليزي، ومنها ”الحركة الدولية للعدالة JUST “ .

ومعروف أن شاندرا كان من أنشط الماليزيين، هو ومهاتير محمد، في تقريظ ”ديمقراطية“ الإخوان المسلمين عندما تولوا السلطة في مصر.

تاريخ مهاتير محمد مع الإخوان

وجاءت مشاركة مهاتير محمد في ندوة ”الوقوف مع اليمن“ لتحفز الأوساط السياسية والإعلامية الماليزية على استذكار العلاقة التاريخية للإخوان المسلمين مع ماليزيا، وكذلك تقلّب مهاتير محمد في علاقاته الشخصية والحزبية مع الإخوان المسلمين وحزبهم الأساسي المعروف باسم ”الحزب الإسلامي الماليزي PAS “ وكذلك الحزب الآخر الذي اخترقه الإخوان المسلمون وشقّوه عن ”الجبهة الوطنية“، وتسلّمه حليفهم الوثيق أنور إبراهيم، الذي كان نائبًا لمهاتير محمد في رئاسة الحكومة، قبل أن ينقلب عليه ويدخله السجن بتهمتي الفساد واللواط.

بعض الأكاديميين الماليزيين يعيدون علاقة بلادهم مع الإخوان المسلمين إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، عندما وصلها ”محمد عبد الرؤوف“، داعية الإخوان المسلمين المرافق لحسن البنا، مؤسس الحركة، وبدأ الترويج للإسلام السياسي بين الملايين من المسلمين الماليزيين، والمساهمة بإنشاء الجامعة الإسلامية في كوالا لامبور.

علمًا أن ابنه فيصل عبد الرؤوف، أصبح لاحقًا قياديًا إخوانيًا في الولايات المتحدة، بلقب إمام مسجد ”الفرح“ في نيويورك، مستخدمًا زواجه الثاني من فتاة ماليزية ليوسع ويوثق برنامج الإخوان المسلمين في اختراق المجتمع الماليزي ونخبه السياسية والنسائية، وساعدته في ذلك زوجته الثالثة الحالية ”ديسي خان“، ذات الأصول الكشميرية، في تجنيد نساء المجتمع المدني الماليزي بتشكيلات تتغطى بحقوق الإنسان مثل ”جمعية قرطبة“، باعتبارها عنوانًا جذابًا للاستقطاب والتجنيد السياسي.

وفي التوثيقات الماليزية للعلاقة مع الإخوان المسلمين، فإن فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي تعتبر مفصلية، حيث استطاع خلالها ”الإخوان“ إنشاء سلسلة من التنظيمات الشبابية والنسائية التي تستلهم التشكيلات الهيكلية لتنظيم الإخوان المسلمين الدولي.

ففي عام 1971، ظهرت حركة الشباب الإسلامي الماليزي ABIM، فكانت ذراعًا اجتماعية نشطة للحزب الإسلامي الماليزي الذي أنشأه الإخوان المسلمون في وقت مبكر، ثم انتقلت رعايتها المالية والسياسية بالتعاون مع قطر.

ومنذ وصول مهاتير إلى الحكم، تعاون بشكل عميق مع عناصر إخوانية بزعم قدرتهم على توثيق عرى التضامن مع العالم الإسلامي، استمرارًا للنهج الذي أرساه في الستينيات أول رئيس حكومة لما بعد الاستقلال، تونكو عبد الرحمن.

وفي ذروة النشاط القطري بتحشيد الشوارع العربية لتغيير الأنظمة، كانت علاقة أمير قطر مع مهاتير محمد موصولة، وبعضها اتصالات هاتفية وثقتها وكالات الأنباء في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، حتى إذا وصل الإخوان إلى السلطة في مصر، كانت لمهاتير محمد ثلاث زيارات التقى فيها الرئيس محمد مرسي ونائبه خيرت الشاطر.

ثم بكى مهاتير محمد عندما سقط نظام الإخوان وفشلت تظاهراتهم في ميدان رابعة العدوية، وعرض عليهم الاستضافة في ماليزيا، ومثلهم الذين غادروا قطر بعد ذلك.

كما عقد لهم عدة مؤتمرات تنظيمية، بينها اجتماع ”الوسطية والاعتدال“ برئاسة الإخواني رضا فهمي، ودعاهم إلى منتدى كوالالمبور كممثلين لمصر، ومنهم عمرو دراج رئيس المكتب السياسي للإخوان، وجمال حشمت رئيس البرلمان الإخواني الموازي حينها.

رهان الإخوان على أنور إبراهيم

ويعرف الماليزيون أن علاقة مهاتير محمد مع الإخوان المسلمين هي أقرب لتحالف المصالح، وذلك بالمقارنة مع نائبه السابق أنور إبراهيم الذي يعتبر جزءًا من التنظيم الدولي للإخوان. ولذلك وقف يوسف القرضاوي مع إبراهيم عندما سجنه مهاتير، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق إلى أن يغلظ في تقريع القرضاوي وفي استصغار نهج الإخوان بالإسلام السياسي وتجييرهم علاقاتهم في إندونيسيا وغيرها لصالح المحور القطري التركي.

الداعية طارق سويدان

وفي التاريخ الموثّق لعلاقة الإخوان المسلمين مع إبراهيم ومعلمه مهاتير محمد، فصول فرعية تفسر قرار مهاتير التنازل عن رئاسة الحكومة لإبراهيم، خلال 2020، أي بعد عامين من عودة الرجلين للسلطة، وخروج إبراهيم من السجن.

فقد شاركت قيادات إخوانية من مصر، وأخرى من الكويت، بشخص الداعية طارق سويدان، في تشكيل ائتلاف المعارضة الذي أسقط حزب الجبهة الوطنية في انتخابات 2018.

وكان معروفًا للإخوان وغيرهم، أن مهاتير سيخرج من الصورة السياسية عندما يصل عمره 94 عامًا، وسيتركها لتلميذه أنور إبراهيم، وهو ما يراهن عليه الإخوان ويجهّز له رعاتهم السياسيون بتوسيع دائرة المصالح والتنفذ لهم في ماليزيا، مدعومة بعد الآن بتشكيلات للمجتمع المدني أصبح لها صندوق يرعاها، أنشأته قطر، باسم ”مهاتير محمد“.

توظيف المجتمع المدني

يشار إلى أن قناة الجزيرة القطرية استضافت مطلع الشهر الجاري أنور إبرهيم، وأفردت له مساحة إضافية أيّد فيها ما فعله مهاتير محمد عندما سحب ماليزيا من تحالف استعادة الشرعية اليمنية، ووثق لهذا الانحياز بمشاركته في ندوة يوم السبت المقبل، التي قالت الجزيرة إنه كان مفترضًا تحويلها إلى تظاهرة شوارعية على أبواب ”بوتراجايا“، مقر الحكومة.