كتابات وآراء


الجمعة - 13 أكتوبر 2017 - الساعة 11:00 ص

كُتب بواسطة : ماجد الشعيبي - ارشيف الكاتب


من يقرأ التاريخ بتمعن يعرف بان امتحان الثورات ليس في انتصارها على اعداءها، فتلك حتمية لا يمكن طمسها مهما طال بها الزمان او قصر.. لكن امتحان الثورة الحقيقي ياتي لحظة تحولها الى الدولة.

وفي الجنوب ظن الكثيرون ان انتصار الثورة تحقق بهزيمة قوات ٩٤ مضافا اليها جماعة الحوثي في معارك التحرير عام ٢٠١٥ ؛ قبل ان يتضح للجميع ان انتصار الثورة العسكري لم ولن يكتمل مالم يترجم الى انجاز سياسي مستدام يضمن تلبية طموحات ومصالح الشعب دون الانجرار الى دورات عنف اضافية تضعف امكانات المقاومة الذاتية في مجتمع الذي الحروب اكثر مما انصفته.

نصف الطريق قطعه المجلس الانتقالي بترجمة نضالات عقد كامل من الحراك الثوري الاجتماعي الى كيان سياسي بوسعه ان يقدم للناس انجازا ابعد من مجرد الشعارات.. غير ان الكيان الجنوبي الوليد وهو يقف اليوم على اعتاب مناسبة تاريخية هامة ؛ مايزال حبيس صراع ذاتي بين منطق الدولة ومنطق الثورة .

ثورياً قد يجوز للمجلس الانتقالي ان يكتفي بخطابات رنانة مصبوغة بنكهة التهديد والوعيد لأي طرف ً يقف على النقيض من خياراته الشعبية .. اما سياساً فالمجلس مطالب بالكثير من الخطوات العملية التي تثبت للداخل قبل الخارج بأنه مكون نوعي يختلف عن باقي المكونات الثورية المتكاثرة طوال عشر سنوات من النضال السلمي ..

ولأننا نعتبر المجلس الانتقالي ثمرة كل هذه السنوات والمكون الوحيد الذي حظي بتأييد جماهيري واسع ، وقبول دولي واقليمي غير مسبوق ، يحتم الواقع عليه أن يكون اكثر اتزاناً واكثر دراية بكل خطوة يقوم بها على أي صعيد ،كي لا يقدم نفسه بذات الصيغة التي قدمت بها مكونات الحراك نفسها طوال سنوات مضت .

ونحن نعايش وضع صعب كالذي نمر به حالياً ، فأن الظروف والمتغيرات تضع مجلسنا الانتقالي امام تحديات كبيرة ، أهمها على الأطلاق تحديد مسارة السياسي الواضح ورؤيته المستقبلية لحل القضية الجنوبية التي جاء باعتباره ممثلها الوحيد والشرعي بحسب التفويض الشعبي الذي منحه اياه الشعب في مليونية الــ 4 من مايو من العام الجاري .

ونحن نستعد للاحتفال بالذكرى الــ54 لثورة أكتوبر المجيدة، والتي دعا إليها المجلس الانتقالي في ساحة المعلا فأن المطلوب منه لا يجب ان يتجاوز حدود الممكن و المعقول ، كي يصبح قادراً ومنسجماً مع تحقيق كل ما يقوله عملياً على أرض الواقع ، وكي لا تحسب عليه أي خطوات تصعيدية او ردود فعل ازاء الحكومة الشرعية التي لا يجب ان ننسى بانها المعترف بها دوليا واقليميا وان اي اجراء تصادمي معها قد يغدو مع الوقت اما دليل ادانه دولي او وقود حرب اهلية او مؤشر فشل سياسي .

المطلوب من المجلس هو رسم قاعدة سياسية جديدة تمكنه من الموازنة بين الهوية والهدف الذي جاء من أجلها وبين امكانياته المتوفرة لديه ، وذلك خشية الاقدام على أي خطوات غير مسبوقة ، قد تدخلنا جميعاً وسط دوامة تعرقل الحياة العامة وتصعب المهمة امام المجلس الذي تسعى قيادته إلى استعادة المجال السياسي و زمام المبادرة للسير وفق خطة استراتيجية تمكنه في المستقبل من إدارة شؤون الجنوب بكل كفاءة واقتدار ، بدلاً من انتزاع سلطات ومسؤوليات ما يزال من المبكر على المجلس توليها حالياً وسط هذه التعقيدات التي تحيط به .

لذلك من المهم على مجلسنا الانتقالي أن يعيد رسم قواعد السياسية بما يتوافق مع إمكانياته وقدراته الذاتية ، وعدم التعويل أو الاكتفاء بحليف اقليمي واحد قد تثبت الايام انه غير قادر على تحمل نتائج أي خطوات تصعيديه تنتزع من الحكومة الشرعية سلطاتها المستمدة من القرارات الدولية التي تمنح الشرعية صفة المسؤول الأول عن الاوضاع الجارية في البلاد .

وعليه فأن المجلس الانتقالي يكسب مشروعيته من التفويض الشعبي الممنوح لها وتكسب الشرعية صفتها من كونها تحظى باعتراف وتأييد دولي غير مسبوق ، ومها بلغت موازين القوه على الارض ورجحت الكفة عسكرياً للانتقالي بفضل حليفة الاقليمي وحلفائه المحليين ، فأن ذلك لا يعني التهور واتخاذ أي خطوات غير محسوبة على المدى البعيد والتي يمكنها أن تعطل الحياة السياسية ، مهما بلغت ثقتنا بقدرتنا الذاتية والاقليمية على النجاح في إدارة انفسنا بأنفسنا ،وهو الامر الذي يجب ان نصارح انفسنا بصعوبته نظرا لاسباب كثيرة منها ماهو ذاتي وماهو موضوعي (تستحق الاطلال عليها في مقالة مستقلة).

في الضفة الاخرى يتبدى لنا اداء الشرعية الذي لم يراعي حقيقة الاوضاع المترتبة جنوبا؛ فبعد ان اخذت الشرعية بتطوير علاقة النصر التي جمعتها مع المقاومة الجنوبية من خلال تعزيز شراكة الحراك سياسيا وسلطويا . انتكست سياسات هادي من خلال قرارات الاقصاء التي خالفت قواعد اللعبة واصول المنطق وتوازنات القوة .

ازمة السلطة الشرعية ممثلة بهادي او بن دغر هي تعاطيها الخفيف مع المتناقضات السياسية معتقدة ان سلطتها القانويية تخولها لممارسة حالة تسلطية تستنسخ نظام صالح بانانبته واخطاءه حين لم يعبئ بمشاركة الجنوب لحظة هزيمته فكان ذلك مدخل لسقوطه ؛ اما بن دغر وهادي الذين امتنعوا عن مشاركة الجنوب لحظة انتصاره فلن يهنئوا بالمكوث في عدن ناهيك عن استفرادهم بالحكم.

لا يخفى عن احد نية وعزم الشرعية لجر الجنوب الى صراع يستحضر فيه كل تصدعات الحرب من ٨٦ الى ٩٤ الى ٢٠١٥ ،فالسلطات المأزومة تعتاش على الفتن والحروب .. لكن المجلس الانتقالي يظل المعنوي الاول بتجنب الانزلاق لأي مواجهة . ولو اتفقنا ان هادي يستغل القضية الجنوبية لتوطيد سلطته .. فان عيدروس هو الممثل الاول للقضية الجنوبية وشعبها والمسؤول الاول عن تجنب اي سيناريو كارثي سواء من خلال احباط مفاعيل الاستفزاز الذي تمارسه الشرعية او من خلال تجنب اي تصعيد ثوري لا يمكن ترجمته على ارض الواقع..

باختصار فان على الشرعية ان تستوعب وتهضم حقائق القوة التي ثبتها الحرب الاخيرة والتي يقف في قلبها الحراك الجنوبي بمقاومته ومجلسه . وعلى المجلس الانتقالي ان يتفهم مقتضيات المرحلة بتعقيداتها وتشابكها بحيث يجر خصومه الى المواجهة سياسيا وشعبيا بدل المواجهة ثوريا او عسكريا لان صراعا كهذا لن يعود بالايجاب على اي طرف؛ لا التحالف ولا الشرعية ولا الحراك ..